الحلقة السادسة : عبده طناش يبحث عن عمل بالخارج

(الحلقة (6

عبده طناش يبحث عن عمل بالخارج

.

فى إحدى اوتوبيسات النقل العام

يمد عبده طناش نظره إلى جريدة الجالس بجواره فى الأوتوبيسات .. وفجاة يخطفها منه وهو يصرخ
"أخيرا .. أحمدك يارب .. أحمدك يارب "

و أثناء قوله تلتهم عينيه محتوى ذاك المربع الصغير المنزوى فى نهاية الصفحة بالجريدة
ثم يتدارك الموقف وينظر إلى جاره فى المقعد والذى ينظر إليه بدوره بنظرة استنكار

ويغمغم معتذرا : أنا آسف والله اعذرنى .. أصل بقالى شغال 10 سنين فى الحكومة وما أدراك ما شغل الحكومة !!.. وبدور على أى فرصة للسفر ومش مصدق إنى لقيت الفرصة دى

يبتسم الرجل بهدوء وهو يعيد الجريدة إلى مقرها بين يديه ويغمغم : انت كمان ؟

يصل عبده طناش إلى محطته وينزل من الاوتوبيس وهو منتشى وسعيد تغمره فرحه عارمة .. ويداعبه أمل يكاد أن يتجسد فى عينيه إلى حقيقة ملموسة

يتوجه إلى أقرب منفذ لبيع الجرائد ليشترى الجريدة على غير عاداته ثم يحتضنها بين يديه ويسرع الخطى نحو بيته وهو يلقى بنظره فى الطريق على طوابير العيش والزحام والضوضاء والباعة والخناقات ويهتف بداخله : وداعا .. وداعا .. وداعا

أصبحت الساعة الخامسة وعبده طناش لا يزال ممسك بالجريدة يعيد قراءة " فرصة العمل " مرات ومرات .. له ولأهله ولأصدقائه عبر الهاتف .. حتى الجيران وصلهم الخبر

ينتهى عبده طناش من احتساء مج الشاى المضبوط ذو الثلاث قطع سكر و ينزل من منزله متوجها إلى صديقه عايش فى مقر عمله

عبده طناش : عايش حبيبى أخيرا ربنا هيفرجها عليا .. أخيراااا

عايش مستفهما : ربنا يفرجها عليك دايما يا عبده .. بس هو ايه اللى حصل ؟؟

عبده طناش : فاكر لما كنت قولتلك من شهر كده يوم خطوبة أختك انى بدور على سفر .. أخيرا الحمد لله لقيت الفرصة دى النهارده .. شوف مكتوب ايه فى الجرنال ..

يتناول عايش الجريدة ويقرأ بصوت مسموع : إيه ده ؟ وظايف خاليه .. مطلوب فنى حاسب آلى للعمل بالكويت .. خبرة لا تقل عن 10 سنوات .. المقابلة فى شركة كذا .. بميدان كذا .. تليفون كذا
ها وعملت ايه ؟؟؟ روحت ؟؟؟

عبده طناش : لا يا عايش .. ده لسه الجرنال ده بتاريخ النهارده .. هروح بكره ان شاء الله من بدرى

عايش : بس بيقولوا فيه مقابلة .. يعنى اجهز يا بطل .. لغة وكمبيوتر وكله

عبده طناش : أكيد أكيد ما أنت عارف أخوك كان لبلب فى الانجليش فى ثانوى.. أما الكمبيوتر فده بقى لعبتى .. ادعيلى بس ربنا يوفقنى

عايش : ان شاء الله ربنا هييسرلك .. بس انت برضه شد حيلك و اعمل اللى عليك .. ولو لك خير فيها ربنا هيقدمهولك ان شاء الله

عبده طناش : يارب .. يارب .. لما ألحق بقا أروح أقرالى كلمتين عشان بكره ان شاء الله هاخد أجازة عارضة وأروح المقابلة دى .. متنسانيش فى دعائك ووصى الحاجة تدعيلى

عايش : هدعيلك والله ربنا يوفقك ويرزقك بالخير كله ويجعلك فى الشغلانة دى نصيب

عبده طناش : متحرمش منك يا عايش .. يللا سلام

عايش : مع السلامة .. ربنا يسمعنا عنك كل خير ان شاء الله

نظرة اندهاش واستغراب من عبده طناش أثناء صعوده على سلم الشركة لعمل الانترفيو .. يعقبها بغمغمة : يااااربى .. إيه الناس دى كلها ؟ ... كل دول بتنطبق عليهم الشروط .. شكلك كده يا عم عبده روحت فى الباى باى

يقترب منه أحد الواقفين – شاب فى منتصف العشرينات – ويقول له : أهلا وسهلا .. حضرتك جاى عشان الانترفيو مش كده ؟

عبده طناش : آه تمام .. بس الحقيقة مكنتش متوقع العدد ده كله .. وحضرتك ؟

الشاب : آهااا وانا كمان مكنتش متوقع كل ده .. أنا اول ما شفت الخبر .. قلت ده متفصل عشانى .. مكنتش فاكره متفصل على مصر كلها ههههههههه

عبده طناش باستغراب : إزاى .. ده المطلوب خبرة 10 سنوات .. وواضح ان سنك صغير على الاقل اصغر منى بـ 5 سنوات .. هو انت عندك كم سنة ؟؟

الشاب : انا الحقيقة عندى 24 سنة .. بس عندى خبرة 10 سنوات فعلا

عبده طناش باستغراب : ازاى يعنى ؟؟

الشاب : اشتغلت فنى حاسب آلى من وانا فى ثانوى ولغاية دلوقتى .. أصل والدى كان عنده مكتب صغير كده للصيانة ولما توفى مسكت مكانه جنب دراستى وبقت مهنتى الاساسية اللى بفهم فيها اكتر من اى حاجة

عبده طناش : آآآآآآآآآه عشان كده ..طيب ربنا يسهل
ولسان حاله يقول : آدى واحد من الألوف الموجودة شكله هيطيرنى .. امال الباقى بقا .. ؟؟؟؟

ثم يتوجه إلى رفيقه قائلا : متعرفش المقابلة دى بتستغرق أد إيه وبيسألوا فيها عن إيه ؟

الشاب : لا والله .. حضرتك عارف كل واحد هنا بيقول نفسى .. نفسى .. ومحدش بيساعد حد .. كان واقف معايا واحد هنا من شوية معاه دبلومة فى الصيانة .. دخل وخرج ومشى من غير ميقوللى عمل إيه

عبده طناش : فعلا فعلا عندك حق

وبعد هنيهة من الوقت .. وتفكير يتوجه للشاب قائلا : طيب مش عايز حاجة ..؟

الشاب مستفهما : حضرتك هتدخل ولا إيه ؟

عبده طناش : لا .. الحقيقة أنا هامشى .. أصل افتكرت ميعاد مهم جدااا ..وشكل الموضوع كده هيطول اوى .. يللا سلام عليكم

الشاب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. ولسان حاله يقول : عقبال الباقى يارب

ينسحب عبده طناش مطاطا الرأس وهو يشعر بالفشل والدونية فالسفر للخارج ليس بالسهولة التى يتخيلها .. ومؤهله وحده لا يفتح له الأبواب التى يحلم بها .. بل لا يفتح له أى باب سوى باب الوظيفة الحكومية التى يشغلها .. لقد تغيرت متطلبات سوق العمل واختلفت كثيرا فلم تعد للمؤهلات العليا قيمتها كما كانت فى الماضى ..بل لابد ان يُصقلها الخبرة والكفاءة والنُدرة المهنية والتخصصية فى آن واحد وعلى التوازى

أما هو فقد اكتفى بمؤهله ولم يُصقله باى خبرة اخرى واعتمد على معلوماته القديمة التى تعلمها فى الجامعة ظنا منه انه قد وصل إلى نهاية التعلم

يعود عبده طناش إلى منزله ماراً بطوابير العيش وصراعاتها .. والزحام والضوضاء والباعة والخناقات والسحابة السوداء ..
وهو يصرخ بداخله : آآآآآآآآآآآه يا غلبى .. يا فرحة ما تمت

تابعونا فى الحلقة القادمة ان شاء الله

دمتم بكل الخير

Sally